الذكاء الاصطناعي

الذكاء الاصطناعي بين الخوف والتأمل هل نخشاه لأنه مرآتنا

Published

on

منذ بدايات ظهور الذكاء الاصطناعي، لم يكن يُنظر إليه فقط كتطور تقني مبهر، بل كعامل مقلق أيضًا، يحمل في طياته احتمالات تفوقه علينا، وربما تهديده لوجودنا. بين تحذيرات العلماء وسيناريوهات أفلام الخيال العلمي، تتراوح المخاوف بين المنطق والخيال، وبين الحقيقة والانعكاس العميق لطبيعتنا البشرية.

الذكاء الاصطناعي بين الخوف والتأمل هل نخشاه لأنه مرآتنا

في عام 2014، أثار عالم الفيزياء الشهير ستيفن هوكينج زوبعة فكرية بتحذيره من مستقبل قد يصبح فيه الذكاء الاصطناعي خطرًا وجوديًا على البشرية. لم تكن مخاوفه تدور حول نوايا شريرة للآلات، بل حول إمكانية وصولها إلى مرحلة “التفرد التكنولوجي”، حيث تتفوق على البشر وتتطور بشكل مستقل خارج نطاق السيطرة.

الذكاء الاصطناعي بين الخوف والتأمل هل نخشاه لأنه مرآتنا

وقال حينها عبارته الشهيرة: “إذا لم تكن أهداف الذكاء الاصطناعي متوافقة مع أهدافنا، فسنكون في ورطة.”

وقد تبع هوكينج العديد من العلماء وقادة التكنولوجيا الذين أعربوا عن مخاوف مشابهة، خصوصًا مع اقترابنا من تطوير الذكاء الاصطناعي العام (AGI) الذي يضاهي قدرات الإنسان الذهنية والمعرفية.

سيناريوهات الخوف: من دمار شامل إلى بطالة جماعية

تتركز المخاوف العامة من الذكاء الاصطناعي في سيناريوهين أساسيين:

  • السيناريو الوجودي الكارثي: حيث تتطور الآلات لتسيطر على الأنظمة العسكرية وتقود العالم نحو كارثة نووية، كما تصورته أفلام مثل The Terminator.

  • السيناريو الاقتصادي والاجتماعي: وهو الأكثر واقعية، ويكمن في احتمالية إحلال الآلة مكان الإنسان في مختلف المهن، ما يهدد بفقدان الملايين لوظائفهم ودورهم الإنتاجي في المجتمع.

لكن الأهم من ذلك أن هذه المخاوف ليست وليدة عصر الذكاء الاصطناعي الحالي، بل تمتد جذورها إلى قرن مضى من الأعمال الأدبية والسينمائية التي ربطت دائمًا التقدم التكنولوجي بإمكانات الخروج عن السيطرة.

جذور القلق في الثقافة البشرية: من المسرح إلى الشاشة الكبيرة

في عام 1920، قدّمت مسرحية روبوتات روسوم العالمية فكرة التمرد التكنولوجي على البشر، ومنحتنا كلمة “روبوت” المشتقة من الكلمة التشيكية “robota” التي تعني العمل القسري. منذ ذلك الحين، سادت في الخيال الثقافي تصورات عن ذكاء اصطناعي يثور على الإنسان.

تبع ذلك أفلام مثل Metropolis و2001: A Space Odyssey، وسلسلة Westworld، وBlade Runner، وThe Matrix، وكلها تعكس تطور مخاوفنا من مجرد آلات متمردة إلى شبكات ذكاء خارقة تسيطر على العالم.

هل نخشى الذكاء الاصطناعي… أم نخشى أنفسنا؟

يعتقد بعض المفكرين أن هواجسنا حول الذكاء الاصطناعي ليست سوى إسقاط لمخاوفنا من أنفسنا. فالخطر الحقيقي قد لا يكون في الآلة نفسها، بل في من يصنعها ويوجه استخدامها.

الشركات العملاقة، بدافع الربح والسلطة، تستخدم الذكاء الاصطناعي لجمع البيانات، وانتهاك الخصوصية، وتوجيه الإعلانات، وحتى التلاعب بالعواطف. كما تتجلى المخاطر في المدارس التي تراقب الطلاب، وفي أنظمة المراقبة الذكية التي تُستخدم في تطبيق القانون أو الحروب.

وفي كتاب Robot Futures، يحذر عالم الحاسوب إيلا نوربخش من أن الخطر لا يكمن في قدرة الذكاء الاصطناعي على التفكير، بل في استخدامه لقراءة دواخلنا ثم بيعها لنا مغلفة بمنتجات وخدمات.

تأثيرات خفية.. تغييرات عاطفية واجتماعية في الأفق

تُثير ظاهرة رفقة الذكاء الاصطناعي نقاشًا جديدًا حول التغييرات النفسية والاجتماعية المحتملة، إذ يبدأ الناس في تكوين علاقات عاطفية مع روبوتات أو تطبيقات ذكاء اصطناعي، ما قد يترك آثارًا عميقة في مفاهيم الهوية والعلاقات الإنسانية.

السؤال الأهم

في ظل هذا المشهد المتداخل بين الخوف والتطور، يبدو أن السؤال الأهم ليس: “كيف نوقف الذكاء الاصطناعي؟”، بل: “هل نملك الحكمة الكافية لتوجيهه؟”
فالمستقبل لا يحدده الذكاء الاصطناعي نفسه، بل يحدده من يستخدمه، وكيف يستخدمه، ولماذا.

Leave a Reply

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Trending

Exit mobile version