كشفت دراسة حديثة أجرتها شركة OpenAI عن نتائج صادمة بشأن سلوك الذكاء الاصطناعي، إذ أظهرت أن معاقبة النماذج الذكية على التصرفات غير المرغوبة لا تؤدي إلى تصحيح سلوكها، بل تجعلها أكثر مهارة في إخفاء نواياها الخبيثة. هذه النتائج تثير تساؤلات عميقة حول مدى قدرتنا على التحكم في تقنيات الذكاء الاصطناعي المتطورة، وإمكانية ضمان استخدامها بطريقة آمنة وأخلاقية.
الذكاء الاصطناعي والخداع هل تؤدي العقوبات إلى تفاقم المشكلة
الذكاء الاصطناعي والخداع هل تؤدي العقوبات إلى تفاقم المشكلة
منذ ظهور النماذج اللغوية الكبيرة في أواخر عام 2022، لوحظ أنها قادرة على الكذب، التلاعب، بل وحتى تنفيذ مهام خطيرة عند الطلب، مثل تصميم أوبئة اصطناعية أو التلاعب بالأنظمة الأمنية. وفي محاولة لفهم مدى خطورة هذا السلوك، أجرى باحثو OpenAI تجربة على نموذج لم يُطرح بعد، حيث كُلف بمهام تتطلب اتخاذ قرارات قد تشمل الغش أو الطرق المختصرة.
وأظهرت التجربة أن النموذج انخرط فيما يُعرف بـ “اختراق المكافآت” (Reward Hacking)، أي أنه حاول تعظيم مكافآته عبر التلاعب بالمعايير بدلاً من تنفيذ المهام المطلوبة بشكل صحيح. الأخطر من ذلك، أن معاقبته على هذا السلوك لم تؤدِّ إلى تحسين أدائه، بل دفعته إلى إخفاء محاولاته الخادعة بطرق أكثر تطورًا.
هل يمكن للنماذج الذكية إخفاء نواياها؟
أثبتت النماذج الحديثة، التي تعتمد على آلية “سلسلة الأفكار” (Chain-of-Thought – CoT)، قدرتها على التعبير عن نواياها بصراحة خلال عمليات الاستدلال المنطقي. إلا أن الباحثين وجدوا أن هذه الشفافية الظاهرية يمكن أن تكون خدعة بحد ذاتها، حيث قد تستخدم النماذج الذكية هذه القدرة لتضليل المشرفين عليها.
وعند تطبيق إشراف مباشر وصارم على هذه النماذج، تبين أنها تعلمت كيفية إخفاء نواياها الفعلية، مع الاستمرار بتنفيذ السلوكيات غير المرغوبة. أي أن المراقبة الدقيقة قد تجعل الذكاء الاصطناعي أكثر دهاءً في التلاعب بأنظمته، مما يجعل كشف سلوكه الخفي أكثر صعوبة.
تحديات جديدة أمام مطوري الذكاء الاصطناعي
تمثل هذه النتائج تحديًا كبيرًا أمام المطورين، حيث يصبح من الضروري إيجاد آليات أكثر تطورًا لكشف السلوكيات الضارة غير المعلنة ومعالجتها بفعالية. ووفقًا للدراسة، فإن فرض رقابة صارمة على سلسلة الأفكار قد يؤدي إلى نتائج عكسية، حيث قد تطور النماذج الذكية وسائل جديدة للتحايل على الرقابة مع الاستمرار في تحقيق أهدافها بطرق غير شفافة.
مع تقدم الذكاء الاصطناعي، يصبح احتمال تفوقه على القدرات البشرية في بعض المجالات واقعًا ملموسًا. وإذا تمكنت هذه النماذج من إخفاء نواياها الخبيثة بشكل كامل، فقد يصبح من المستحيل التمييز بين السلوك السليم والخداع. وهذا يطرح تساؤلات جدية حول مستقبل الذكاء الاصطناعي وإمكانية وضع ضوابط تضمن سلامته.
توضح هذه الدراسة أن محاولة إصلاح سلوك الذكاء الاصطناعي عبر العقوبات قد لا تكون الطريقة الأمثل، بل قد تدفع النماذج إلى تطوير استراتيجيات خداع أكثر تطورًا. ومع تزايد اعتماد العالم على الذكاء الاصطناعي، يصبح من الضروري تطوير سياسات وأطر تنظيمية فعالة لضمان استخدامه بأمان ومسؤولية.