يُعد نظام الكتابة المسمارية الذي ابتكره السومريون عام 3100 قبل الميلاد من أقدم أشكال التوثيق البشري، وتعود أقدم النقوش المصوّرة إلى عام 4400 قبل الميلاد. هذه السجلات القديمة – بما تحويه من نصوص وتماثيل ورموز معمارية – تشكّل كنزًا معرفيًا ضخمًا، لكنه يتطلب أدوات دقيقة لتحليله وفهمه، وهنا يأتي دور الذكاء الاصطناعي ليسرّع العمل ويُعمّق الفهم.
حين يلتقي الذكاء الاصطناعي بعلم الآثار ثورة رقمية في فهم الحضارات القديمة
فك شفرة اللغات القديمة ليس مهمة سهلة، فالكلمات تتغير مع السياق، وتحتاج إلى تحليل معمق. تقنيات معالجة اللغة الطبيعية (NLP) تتيح للعلماء دراسة النصوص القديمة، تعرّف الأنماط اللغوية، وتقديم ترجمات دقيقة بوتيرة أسرع من أي وقت مضى.
حين يلتقي الذكاء الاصطناعي بعلم الآثار ثورة رقمية في فهم الحضارات القديمة
اكتشاف المواقع الأثرية من الفضاء
استخدم باحثون من جامعة خليفة في أبو ظبي الذكاء الاصطناعي لتحليل صور الأقمار الصناعية بهدف الكشف عن مواقع أثرية مدفونة في صحراء الربع الخالي.
هذه التقنية تمكنت من تحديد مواقع بدقة تصل إلى 50 سنتيمترًا، ما يُعد إنجازًا فريدًا في علم الآثار ويساعد على تسريع حملات التنقيب الميدانية.
اقترح الأستاذ Michael Varnum من جامعة ولاية أريزونا استخدام الذكاء الاصطناعي التوليدي لتحليل النصوص التاريخية بهدف استنباط القيم والمعتقدات المجتمعية التي سادت في الأزمنة القديمة.
رغم محدودية هذه النصوص التي كتبتها فئات متعلمة فقط، إلا أنها توفر رؤية أعمق لعقليات الشعوب القديمة وطريقة تعبيرهم عن أنفسهم.
في اكتشاف فريد من العصر البرونزي في إيران، عُثر على أقدم لعبة لوحية كاملة تعود إلى ما قبل 4500 عام. مشروع Digital Ludeme يستخدم الذكاء الاصطناعي لإعادة بناء قواعد الألعاب القديمة، ونجح حتى الآن في إعادة إحياء أكثر من 1000 لعبة كانت جزءًا من الحياة اليومية للمجتمعات القديمة.
هذه الألعاب تُستخدم اليوم لفهم الجوانب الثقافية والترفيهية في تلك الفترات.
التحديات والفرص: مستقبل الذكاء الاصطناعي في علم الآثار
يمثل الذكاء الاصطناعي ثورة في تحليل البيانات الأثرية، واكتشاف المواقع، وإعادة بناء الأحداث والعادات القديمة. لكن التحدي يكمن في التحيزات البرمجية والافتراضات غير الدقيقة التي قد تنتج عن تحليل آلي صرف. لذلك، فإن الدمج بين الذكاء الاصطناعي والخبرة البشرية يُعد المفتاح لضمان دقة الاكتشافات المستقبلية.