أخبار الانترنت

كيف يمكن للذكاء الاصطناعي أن يصبح شريكًا استراتيجيًا في المشتريات؟

By هند عيد

March 23, 2024

بواسطة كرايج هندري، الرئيس ومدير الإدارة الهندسية في الشركة  (إفيشيو)  Efficio. 

بتنا نلاحظ تواجد التقارير حول تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بصورة مستمرة ضمن دائرة الأخبار العالمية والإقليمية والمحلية، فضلاً عن تناولها في المحادثات المتعلقة بكافة الميادين والقطاعات الصناعية.

تعكس هذه الظاهرة تلك المرحلة التي شهدت انطلاق الشبكة العنكبوتية العالمية في فترة التسعينيات، حيث أحدثت التكنولوجيا الجديدة التي ظهرت حينئذ والقابلة للتطبيق في شتى القطاعات، ضجة كبيرة انعكست في اهتمام غير معتاد من قبل القيادات والخبراء في تلك الحقبة، والمسؤولين التنفيذيين.

في مجال إدارة العمليات الشرائية بشكل خاص، يمثل الذكاء الاصطناعي وعداً بتحقيق تعزيز للكفاءة ورفع مستوى الإنتاجية ضمن سلسلة من المجالات، وذلك عبر تنفيذه للمهام الإدارية المتعددة، مما يمنح خبراء الشراء الفرصة للتفرغ للعناية بأولوياتهم الاستراتيجية.

في الوقت الذي نشهد فيه دخولاً لعصر جديد قائم على الشراء الذكي، يسعى القادة الرئيسيون في القطاعين الحكومي والخاص نحو استشراف سبل من شأنها تقوية قدراتهم التشغيلية والتي تعود بالنفع في تخفيف النفقات في الوقت ذاته.

يعتبر دمج الذكاء الاصطناعي ضمن استراتيجيات العمل خطوة رئيسية في طرق تحسين العوائد وتقليل النفقات، حيث يتوافق حوالي نصف القادة التنفيذيين على أن الذكاء الاصطناعي سيكون له تأثير على أرباحهم في نهاية عام 2024، كما أولى 56% منهم الاهتمام بالتطبيقات التي تؤثر مباشرة على العوائد أو النفقات.

من جانب آخر، لا تختفي الاستفسارات الأساسية المتعلقة بطريقة فعالية هذه التقنية عمليًا، والتساؤل حول إمكانية الثقة في صحتها وأخلاقياتها كأساس لاتخاذ قرارات ذات تأثير كبير.

يتوجب على أقسام التوريدات أن تقوم بتقييم نظم المعلومات الرقمية المعتمدة والمعطيات المخزنة فيها كي تتحقق من جاهزيتها لاستخدام مثل هذه الوسائل التكنولوجية. فالذكاء الاصطناعي لا يُعد مجرد أداة ساحرة؛ إنما يتطلب توافر مستوى محدد من الأمان فيما يتعلق بالبيانات ونظم المعلومات لدى الراغبين في استثمار فوائده الحقيقية.

استعمالات الذكاء الصناعي في ميدان الشراء والتوريد:

لم يتم بعد تحديد الحالات والفرص الكاملة لتطبيق الذكاء الاصطناعي في مختلف ميادين العمل والصناعات، لكن بدأت تلوح في الأفق إمكانيات استثمارها في جانب المشتريات، حيث طفت على السطح علامات واضحة للقيمة التي يمكن أن يضيفها الذكاء الاصطناعي عبر مراحله المتعددة. نلاحظ موجة بدائية من التشغيل الآلي تتضمن تسهيلات مثل تأسيس المستندات وتجزئة البيانات، الأمر الذي يساعد على تعزيز الدقة والأداء، بالإضافة إلى خفض تكاليف التشغيل.

على نحو مثالي، تسهم منصات البحث عن المزودين، المزودة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، في تسهيل عملية توافق متطلبات الشراء مع قاعدة بيانات شاملة للمزودين. من خلال ذلك، يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يوصي بمزودين محتملين استناداً إلى التجارب السابقة ومؤشرات الأداء.

يستطيع الذكاء الاصطناعي كذلك تنفيذ تقييمات متغيرة للمزودين، وتفحصهم استنادًا على عدة معايير تتضمن مواعيد التوريد، الجودة، الأسعار ومستوى رضا الزبائن.

إلى جانب ذلك، يساهم الذكاء الاصطناعي في سرعة وتعزيز نسق البحث عن مزودين جدد، ويقوم بتقديم نصائح دائمة بخصوص مزودين محتملين جدد، وكذلك يحسن من نوعية انتقاء المزودين باستخدام البيانات بشكل أكثر كفاءة.

قد تستطيع قيادات الشراء كذلك تسخير تطبيقات الذكاء الصناعي لتسهيل وسرعة إعداد الوثائق وتوزيعها ودراستها، والتي تتضمن طلبات التسعير وطلبات الاستفسار، مما يؤدي إلى تعزيز وتحسين دقة عملية اختيار الموردين والمقارنة فيما بينها.

وبما يتجاوز مسألة تحسين الفعالية، فإن استقطاب الكفاءات الوطنية وضمان استمرارها يعتبر مصدر قلق كبير بالنسبة للمسؤولين عن المشتريات، خاصة في زمن تكافح فيه الكثير من الشركات مع قصور في القدرات والإمكانيات لفرقها العاملة.

الشركات إما أن تجد نفسها بعدد غير كافٍ من الموظفين أو أن الفرق التي تم تشكيلها حالياً تفتقر إلى مجموعة المهارات الضرورية لتطوير وتحسين عمليات المشتريات.

في هذا السياق، قد تلعب الأنظمة المعتمدة على الذكاء الاصطناعي دوراً أساسياً عبر إمداد الفرق بالقدرة على متابعة مؤشرات الأداء الأساسية والمواقيت النهائية والتوريدات ومعايير التوافق بشكل دائم.

يستطيع الذكاء الاصطناعي أن يعفي الخبراء في قطاع الشراء من الواجبات الروتينية، ليتيح لهم الفرصة للتفرغ للمهام الأكثر أهمية مثل وضع الإستراتيجيات وإيجاد حلول مبتكرة للمشكلات.

ونظرًا إلى أن تكاملات الذكاء الاصطناعي و النماذج اللغوية الكبيرة تجاوز نطاق الأتمتة للمهام ليشمل إعطاء تبصرات بالاتجاهات المهمة، أداء المزودين، وتقييم المخاطر، مما يُمكِّن قسم المشتريات من اتخاذ القرارات الفورية المستندة إلى المعطيات.

هذا يسمح بتحول نحو دور يركز على الذكاء العاطفي ويحسن من دقة اتخاذ القرارات وإدارة العلاقات. هذا التحول سيكون محوريًا في استقطاب المواهب المطلوبة والحفاظ عليها ضمن الفريق.

تُشكِّل تطبيقات الذكاء الاصطناعي في مجال الشراء ملامح واضحة، ومع ذلك فإن القيود التقنية والبياناتية تحدها قدراتها الحالية. لهذا السبب، ستبقى العوامل الإنسانية مثل تكوين الصلات مع الموردين والمحافظة عليها، وكذلك المسؤوليات المتنوعة ضمن المؤسسة، ذات أهمية قصوى.

وعليه، على قطاع الشراء أن يولي اهتمامًا لاستغلال الذكاء الاصطناعي كشريك يُساعد في تيسير الوصول إلى نتائج أفضل مع الموردين وأثناء التفاوضات الشائكة، مستندًا إلى الذكاء العاطفي الإنساني باعتباره العنصر الدافع الأساسي.

في الختام، يُعد الجمع بين قدرات العقل البشري والذكاء الاصطناعي الطريقة المثلى للوصول إلى نتائج متميزة، وكما يحدث مع أي تغيير كبير، من الضروري اللجوء إلى تطبيق الإجراءات المناسبة والتأهيل اللازم لتحقيق هذا الأمر.

تحديات التكامل مع الذكاء الاصطناعي:

التكنولوجيا الحديثة كثيرًا ما توقظ جملة من الأسئلة والهواجس والمفاهيم المغلوطة، وهذا الأمر لا يتغير عند الحديث عن الذكاء الاصطناعي. فتراودنا الشكوك حول مدى إمكانية الثقة به، وكذلك إذا ما كانت النتائج سوف تعزز الالتزام بالإجراءات وقواعد التنظيم واحترام الأخلاقيات المعتمدة.

في الظروف الراهنة، يوجد أقل من النصف من الناس مستعدون لإعطاء ثقتهم في تقنيات الذكاء الصناعي؛ لكن من الضروري زيادة هذه الثقة لنحصل على فائدة من النصائح المبنية على التطبيقات الذكية.

تعتبر إحدى المفاهيم الشائعة والخاطئة حول الذكاء الاصطناعي هي أن هذه التكنولوجيا ستأخذ مكان البشر في العمل، إلا أن التقارير المتاحة توضح أن الذكاء الاصطناعي لا يهدف لاستبدال البشر بل سيسهم في تعزيز ودعم إمكانيات فرق العمل، لا سيما في مجالات المشتريات. للمنتدى الاقتصادي العالمي يُتوقع أن يبلغ حجم النفع الذي يمكن أن يقدمه الذكاء الاصطناعي في دول الشرق الأوسط إلى ما يقارب 320 مليار دولار أمريكي في أفق العام 2030.

مع ذلك، عند استغلال إمكانيات الذكاء الاصطناعي، يجدر بالمسؤولين عن الشراء أن يكونوا واعين لأي انحيازات وعدم دقة قد تظهر في أنماط الذكاء الاصطناعي، ومدى تأثير ذلك على عملية اتخاذ القرارات والنصائح المقدمة.

يمكن أن تؤثر البيانات التي تفتقر إلى الاكتمال أو التي تعاني من عدم الاتساق أو التي لا تملك معايير جودة عالية على كفاءة الذكاء الاصطناعي، وهو ما قد ينتج عنه قرارات مشوبة بالتحيز عند اختيار المزودين، أو أخطاء في تقدير الاتجاهات العامة للسوق أو القطاع الصناعي، أو توقعات خاطئة بشأن أداء تلك الموردين.

يمكن للقرارات التي تفتقر إلى الدقة أو تتسم بالتحيز والتي تتخذ بناءً على الذكاء الاصطناعي في ميدان التوريدات أن تحمل تداعيات أخلاقية، وذلك بتأثيرها على علاقات الشركة بالمزودين ومدى العدالة والثقة المتبادلة ضمن أوصال شبكة التوريد.

من هنا، يصبح ضمان الاستعمال الأخلاقي لتكنولوجيا الذكاء الصناعي في عمليات الشراء أمرًا حيويًا، خاصةً فيما يخص حماية البيانات الشخصية وتنظيم العلاقات مع الجهات المزودة. يقع هذا الأمر كتحدٍ على عاتق قادة الشراء الحكوميين في المنطقة، ويجب عليهم التعامل معه بمسؤولية وحذر عند دمج الذكاء الصناعي ضمن منظوماتهم الشرائية.

لتقليل المخاطر، من الضروري أن تقوم الهيئات بتقييم شامل لأنظمة الذكاء الاصطناعي خلال مرحلة الاختيار وتنفيذ مراجعات دورية للتأكد من أن هذه الأنظمة لا تزال تتوافق مع المعايير الصناعية العامة.