في عالم يتزايد فيه استخدام التقنيات المتقدمة، أصبح الذكاء الاصطناعي يلعب دورًا محوريًا في العدالة الجنائية، حيث تتراوح تطبيقاته بين تعزيز الأمن ومكافحة الجريمة إلى إثارة قضايا شائكة تتعلق بالخصوصية والإنصاف. في هذا المقال، نستعرض أبرز التحديات والفرص المرتبطة باستخدام الذكاء الاصطناعي في هذا المجال الحيوي.
الذكاء الاصطناعي في العدالة الجنائية بين الوعود والمخاطر
مع التطور الهائل في تقنيات المراقبة، لجأت وكالات الشرطة حول العالم إلى أنظمة متقدمة تعتمد على الذكاء الاصطناعي، مثل أنظمة التعرف على الوجه، وتحليل وسائل التواصل الاجتماعي، ورصد الأنشطة المشتبه بها. إلا أن هذه التقنيات أثارت جدلًا واسعًا حول الخصوصية.
الذكاء الاصطناعي في العدالة الجنائية بين الوعود والمخاطر
على سبيل المثال، كشفت صحيفة نيويورك تايمز عن قيام شركة (Clearview AI) بجمع أكثر من ثلاثة مليارات صورة من الإنترنت دون إذن المستخدمين. هذه الصور تُستخدم لتطوير أنظمة تعرّف الوجه، مما أدى إلى انتقادات حادة واتهامات بانتهاك الخصوصية.
ورغم تحقيق هذه التقنيات نجاحات في حل الجرائم، إلا أن استخدامها غير المنظم قد يؤدي إلى تجاوزات خطيرة، خاصة في ظل غياب إطار قانوني يحكم هذه العمليات.
الأدلة المزيفة: تحدٍ جديد في قاعات المحاكم
أحد أكبر التحديات التي تواجه العدالة الجنائية هو التزييف العميق (Deepfake). هذه التقنية تتيح إنشاء مقاطع فيديو وصوتيات تبدو حقيقية تمامًا لكنها مزيفة.
تسبب هذا التطور في زعزعة الثقة بالأدلة الرقمية، حيث قد يتذرع أحد الأطراف في قضايا المحاكم بأن الأدلة التي يقدمها الخصم مزيفة، حتى وإن كانت شرعية. تُعرف هذه الظاهرة بـ”ربح الكاذب” (Liar’s Dividend).
في قضية جوشوا دولين المتعلقة بأحداث الكابيتول الأمريكي، طُعن في صحة مقاطع فيديو استخدمت كأدلة، مما يسلط الضوء على الحاجة إلى آليات تحقق أكثر صرامة للتعامل مع الأدلة الرقمية.
خوارزميات الذكاء الاصطناعي: عدالة غير مرئية أم تحيز منهجي؟
الخوارزميات التي تُشغل أنظمة الذكاء الاصطناعي كثيرًا ما تعتمد على بيانات مشبعة بالتحيزات، مما يؤدي إلى قرارات غير عادلة. على سبيل المثال، أظهرت دراسات أن أنظمة التعرف على الوجه أقل دقة مع الأشخاص ذوي البشرة الداكنة، مما يزيد من مخاطر التمييز.
إضافة إلى ذلك، تُعتبر هذه الخوارزميات “صناديق سوداء” لا يمكن للمستخدمين فهم طريقة عملها أو الاعتراض على قراراتها. وهذا يخلق مشكلة كبيرة في العدالة، حيث يتعرض الأفراد لأحكام تستند إلى نظام غامض لا يمكن مساءلته.
تشريعات جديدة: خطوة نحو العدالة الرقمية
لمواجهة هذه التحديات، بدأت دول الاتحاد الأوروبي بتطبيق قوانين مثل قانون الذكاء الاصطناعي الأوروبي (EU AI Act)، الذي يحظر استخدام تقنيات معينة، مثل جمع الصور الشخصية دون إذن وتقييم الأفراد بناءً على احتمالية ارتكاب الجرائم مستقبلًا.
مثل هذه التشريعات تُعد خطوة مهمة لضمان أن يكون الذكاء الاصطناعي في خدمة العدالة، مع الحفاظ على حقوق الإنسان والخصوصية.
مستقبل العدالة في عصر الذكاء الاصطناعي
بين الوعود الكبيرة بتحقيق العدالة والفعالية، والمخاطر المتزايدة المتعلقة بالتحيز وانتهاك الخصوصية، يقف الذكاء الاصطناعي عند مفترق طرق في العدالة الجنائية. لضمان أن تكون هذه التقنية أداة لتعزيز العدالة وليس للتمييز، يجب على الحكومات والمؤسسات تبني أطر قانونية وأخلاقية صارمة.