التفكير خارج الصندوق“، هي عبارة تُقال في كل حال وبداخل كل مقال، لكن وعلى الرغم من كونها عبارة مبتذلة، إلا أنها لازالت صالحة بل ومهمة في الحاضر كما في الماضي وحتى في المستقبل، ذلك أنها بوابة الإبداع والابتكار وتطوير حلول جديدة تحرك المياه الراكدة وتصنع القيمة المضافة، وما نحن بصدده الآن في هذه المقالة، هو كيف فكر مدراء بعض شركات التقنية خارج الصندوق ليبتكروا حلولًا وطرقًا غريبة لكسب المال عبر الانترنت، ولن نقوم هنا بسرد جميع الطرق والأفكار لأنها تحتاج إلى كتابٍ كامل، لكن فقط بعض الأمثلة الواقعية من بعض المواقع والخدمات الرقمية.
بدأت قبل أسابيع في استخدام موقع (typeracer.com) المتخصص في تحسين سرعة الكتابة على لوحة المفاتيح، هو منصة تجري فيها تحديات مع الآخرين في سرعة الكتابة، ما أن تنقر على أيقونة (Race) حتى تنضم إلى حلبة سباق مكونة من خمسة متبارين انت واحدٌ منهم، تظهر فقرة واحدة للجميع من أجل طباعتها، ويرمز لكل متسابق بسيارة تسير إلى الأمام، يبدأ العد التنازلي وتزداد حماسًا ثم تنطلق عند الرقم (صفر) وتسرع في الكتابة ما استطعت إلى ذلك سبيلا، وما أن تُكمِل العبارة أو الفقرة حتى تظهر النتائج، فتعلم هل حصلت على المركز الأول أم الثاني أم …. الخامس.
في الحقيقة، وكي أكون صريحًا معكم، لم يسبق لي أن حصلت على المركز الأول، وذلك أني لازلت أتعلم الطباعة السريعة باللغة الانجليزية، وهذا هو وضع 80% من المتبارين (4 من أصل 5)، ولذلك فإني عادة ما يسحبني الملل وخيبة الأمل للأسفل أو لقراءة العبارة التي طبعتها للتو، وأحيانًا تكون عبارة جميلة، أو ساخرة تصنع ابتسامة على شفتيك، ثم أقرأ تحت العبارة هذه الجملة:
You just typed a quote from
وهنا يكمن الإبداع والابتكار، حيث يوفر لك الموقع اسم وصورة الكتاب الذي تم الاقتباس منه، ويمكنك أنت عزيزي المستخدم النقر عليه والذهاب مباشرة لصفحة البيع في موقع (أمازون) وأنت بذلك تشكرهم لتوفير هذه الخدمة المجانية وأيضًا توفير مصادر تلك الاقتباسات الجميلة، لأنك قد تُعجَب بأحدها وتقرر شراء الكتاب الذي طُبِع فيها، أما هم فسيشكرونك كذلك إن أنت قررت الشراء، لأن ذلك الرابط هو رابط إحالة يعطيهم عمولة صغيرة من كل عملية شراء، وعمولة بجوار عمولة يصبح المبلغ كبيراً والربح جزيلاً.
المال
هل أعجبك المقطع ؟
موقع وتطبيق (voscreen.com) هو خدمة مخصصة لتعليم اللغة الإنجليزية، فكرتها الأساسية هي توفير مقاطع صغيرة جدًا، كل مقطع يحتوي على جملة أو اثنتين، وهي مقاطع مأخوذة من أفلام درامية أو رسومية أو أفلام وثائقية أو حتى فيديوهات عادية منشورة في اليوتيوب، تشاهد المقطع ثم تختار الترجمة الصحيحة، وهي خدمة مفيدة لتطوير مهارة الاستماع في اللغة الانجليزية، كما أنها توفر خصائص عديدة مثل (تحديد المستوى ونوعية المقاطع وغيرها).
هذه الخدمة مجانية، كما أنها لا تعرض أي اعلانات في الموقع أو التطبيق، فكيف تكسب المال إذًا؟
ببساطة، يتم ذكر اسم المقطع الذي تم الاقتباس منه، في الأسفل تحت الفيديو أو في الزاوية العلوية (عند استخدام التطبيق) وللتسهيل عليك فإن اسم المادة الأصلية هي رابط يذهب بك -حين النقر عليه- إلى صفحة شراء الفلم من موقع أمازون أو أي موقع آخر، وقد تقرر شراء الفلم وتشكرهم على ذلك، وهم بدورهم سيشكرونك على العمولة التي حصلوا عليها بسببك.
البيع بالعمولة
هاتان الخدمتان يتبعان نفس النموذج الربحي، إنهما يسوّقات منتجات الآخرين، وهو ما يسمى في عُرف التسويق الرقمي بـ (البيع بالعمولة) فالموقع الأول يسوق للكتب، والموقع الثاني يسوق للأفلام، وموقع أمازون يوفر منصة كبيرة لبيع كل أنواع المنتجات، ويوفر منصة للمسوقين كي يكسبوا بعض الفُتات من وراء كل عملية بيع، لكن ذلك الفتات يصبح مَبَالغ ضخمة حين يتجمع ويتراكم بعضه فوق بعض، ولذلك فإن التعويل الأكبر على انتشار تلك الخدمات واتساع رقعة مستخدميها.
إن الطرق الأساسية لكسب المال عبر الانترنت هي محصورة في ثلاث أو أربع، بل يمكن حصرها في اثنتين فقط؛ (1) أن تبيع منتجك الخاص (أو خدمتك) ، (2) أو أن تسوق لمنتجات الآخرين وخدماتهم وتأخذ عمولة على ذلك، أما الربح عبر الإعلانات الرقمية فيمكن إدراجها ضمن النوع الثاني، فأنت تسمح للشركات أن تستخدم مساحات في صفحات موقعك أو في مقدمة فيديوهاتك لتعلن عن منتجاتها، أي أنك في هذه الحالة وسيط لا تبيع منتجاتك الخاصة بل تسوق منتجات الآخرين فتأخذ العمولة مؤخرًا أو مقدمًا.
ورغم أن الطرق الرقمية لكسب المال هي معدودة محدودة، إلا أن الابتكار والإبداع يأتي في كيفية تنفيذ تلك الطرق، فكما رأينا في المثالين السابقين، يتم استخدام نموذج (البيع بالعمولة) لكن بأساليب مبتكرة تحقق الفائدة للطرفين ولا تشكل تشويشاً أو إزعاجاً للمستخدم.
التفكير خارج الصندوق
نعود مجددًا للعبارة المبتذلة في لفظها والمتجددة في معناها، الكلام هذه المرة موجه لأصحاب المشاريع الريادية والأفكار التي تنتظر الانعتاق من عقل صاحبها، أقول لهم: إن المهمة الأصعب ليست في تحقيق المكسب المالي من الخدمة أو المنتج الرقمي، بل في كيفية تقديم قيمة حقيقة ومنتج رقمي مبتكر، فحين توجد القيمة فسوف يسهل التسويق ومن ثم الانتشار، وحين يتم الانتشار فسوف يسهل الكسب، ومن يسهل عليه الابداع في الأولى (في تقديم المنتج) سيسهل عليه الإبداع في الثانية (في تسويقه).