في عام 2017 -وفي اليوم العالمي للوجوه التعبيرية- أعلنت منصّة فيسبوك أنّ هناك ما يقارب 5 مليارات وجه تعبيري (Emoji) يتمّ إرساله تقريبًا بشكل يومي على تطبيق المحادثة ماسنجر. وإن دلّت الأرقام هذه على شيء فهيَ تدلّ على أنّ هذه الوجوه اللطيفة صفراء اللون أصبحت جزءًا أساسيًّا في تواصلنا اليومي على الإنترنت وللتعبير عن مشاعرنا المختلفة.
ولكن مهلًا، في أيّ نقطة من الزمن أصبحت هذه الوجوه التعبيرية ضروريةً لنا وانتشرت بالشكل الهائل الذي نراه اليوم؟ وكيفَ كانت بداياتها؟ هذا ما سنتكلّم عنهُ في هذا المقال، حيث سنأخذكم في رحلة تاريخية للوجوه التعبيرية!
بعدَ اختراع الكتابة والآلات الكاتبة، أردنا نحن البشر التعبير عن مشاعرنا وأحاسيسنا بوسائل أخرى تتعدّى الكلمات والأحرف. فعلى سبيل المثال، في خمسينيّات القرن التاسع عشر كانَ الرقم 73 في شفرة مورس يعني “أطيب التحيّات” بالإضافة إلى الرقم 88 الذي كان يعني “مع حبّي وعناقي” – والذي نعبّر عنه بواسطة الرموز “XO” في عصرنا هذا.
الوجوه التعبيرية
ونرى أوّل ظهور للرموز التعبيريّة في عام 1648 في قصيدة مطبوعة للشاعر الإنجليزي “روبرت هيريك”، إذ قامَ باستخدام الرمز “:)” والذي يمثّل وجهًا مبتسمًا.
كما نستطيع رؤية استخدام الرمز التعبيري “;)” في خطاب مكتوب في نسخة من نسخ صحيفة “نيويورك تايمز” لأحد خطابات الرئيس الأمريكي “إبراهام لينكولن” في عام 1862، إلّا أنّ بعض الخبراء اللغويين رجّحوا هذا لكونهِ خطأً مطبعيًّا لا أكثر.
إلّا أنّ أولى الجهود في رسم وتحقيق الرموز التعبيريّة بحقّ كانت في عام 1881، على يد المجلّة الهزليّة “باك – Puck”. وقد قدّمت المجلّة في أحد إصداراتها رسومًا تعبيريّة تعبّر عن حالات الفرح، الدهشة وغيرها عن طريق دمج وتركيب مختلف علامات الترقيم والرموز.
الوجوه التعبيرية
وظهرَ فنّ الرسم المدعوّ بـ “Typewri-toons” في الفترة الممتدّة بين ستّينيات وثمانينيّات القرن الماضي، إذ تقومُ فكرته على الرسم بواسطة المحارف المختلفة (الأحرف الأبجديّة، علامات الترقيم، الرموز) فقط.
Typewri-toons
عصر الحواسيب والتقنيّة الذي ساهم بظهور الوجوه التعبيرية وانتشارها
مع ظهور الحواسيب الشخصيّة وانتشارها في سبعينيّات القرن الماضي (1970 – 1980) وسهولة الحصول عليها في كلّ منزل، بالترافق مع انتشار شبكة الإنترنت (الويب) في معظم أنحاء العالم وخدمة البريد الإلكتروني، أصبحَ لمختلف الأشخاص حولَ العالم وسيلة تواصل جديدة وفعّالة.
إلّا أنّ البريد الإلكتروني في بداياته كان يقتصر على الأسطر النصيّة فقط لا غير، ممّا سبّب للكثير من الرسائل أن يُساء فهمها بسهولة أو أن تفقد معناها دونَ أي مؤشّر لنوع العواطف المُراد التعبير عنها في هذه الأسطر النصيّة.
وهذا أثار إحباط العديد من ضمنهم البرفسور الجامعي وعالم الحاسوب “سكوت فالمان” والذي اعتادَ على إرسال النكت والتعليقات الساخرة على البريد الإلكتروني لزملائه وطلبته، ولكنّ معظمها كانَ يؤخذ بشكل جدّي.
وكنتيجة لذلك قامَ البرفسور “فالمان” في عام 1982 بإرسال بريد إلكتروني لزملائه يقترح بالاستدلال على العبارات الساخرة باستخدام الرمز “:-)” واقترح استخدام “:-(” للعبارات الجادّة.
وما إن بدأ استخدام هذه الرموز التعبيريّة بكثرة، قامَ بعض الطلاب وزملاء البروفسور (بعدها، جميع مستخدمي الإنترنت) بإضافة المزيد من الرموز التعبيريّة التي تعكس تعابير مختلفة ومتنوّعة مثل الرمز الذي يقوم بغمز عينه “;-)” والرمز الذي يعبر عن الدهشة “:-0” وغيره الكثير.
وقد سميَت هذه الرموز بالإيموتيكون (Emoticon) وهيَ ناجمة عن جمع الكلمتين: عاطفة (Emotion) وأيقونة (Icon).
وفي الفترة الزمنية ذاتها ظهرت رموز تعبيريّة أخرى في اليابان سمّيَت بالكاوموجي (Kaomoji) والتي تعني وجه الشخصيّة في اللغة اليابانيّة، وتميّزت هذه الرموز عن الإيموتيكون بأنّها تُكتب وتُقرأ بشكل أفقي مع اتّجاه الكتابة. ¯\_(ツ)_/¯
أدى العدد الكبير للمحارف في اللغة اليابانيّة (الكاتاكانا، الهيراغانا، الكانجي) إلى ظهور تنوّع كبير في الرموز التعبيريّة، وسرعان ما تمّ استخدام المزيد من الرّموز والمحارف الكوريّة واليونانيّة وغيرها في مختلف أنحاء العالم لتصميم مختلف الرموز.
أولى المحاولات في تصميم واستخدام الوجوه التعبيرية
ومع زيادة أشكال وتركيبات الرموز التعبيريّة ظهرت الحاجة لوجود رمز واحد يوفّر على المستخدم عناء إدخال عدّة محارف لتشكيل رمز تعبيري واحد والتي كانت عمليّة رتيبة وتهدر الوقت على المدى البعيد.
وكانَت إحدى أولى المحاولات من نصيب شركة مايكروسوفت، إذ قامَت بتطوير سلسلة من الخطوط الطباعيّة (Typefaces) في عام 1990 تحت اسم “Wingdings”، واحتوى هذا الخطّ على مجموعة من تعابير الوجه والرموز المختلفة الأخرى. ولكن هذا عنى أنّ الرموز ستظهر فقط على الجهاز الذي تمّ تثبيت هذا الخطّ عليه.
الوجوه التعبيرية
ومن هنا بدأ السباق باتجاه الوجوه التعبيرية
بعدَ محاولة شركة “i-mode” ونجاح حركتها الإعلانيّة، تهافتت معظم المنصّات ووسائل التواصل والمراسلة بتضمين إصدارها الخاص من الوجوه التعبيرية بشكل جديد ومميّز يجذب المستخدمين إليها.
ولعلّ أشهر هذه المحاولات كانَت على يد شركة مايكروسوفت في تطبيق المراسلة الأيقوني الشهير الخاص بها MSN، إذ قامت بإطلاق مجموعة من 30 رمزًا ووجهًا تعبيريًا على منصّتها في عام 2003، ولا زال لهذه المجموعة التأثير الكبير في العديد من الوجوه التعبيرية التي نقوم باستخدامها اليوم.
الوجوه التعبيرية
ويجب ألا ننسى ابتكار “الأنيموجي – Animoji” -تركيب من كلمتين “حركة Animation” و”Moji شخصية”- على يدّ شركة آبل في مؤتمرها عام 2017، بالتزامن مع إعلانها لنظام iOS 11 والذي سمحَ للمستخدمين بتحريك مختلف الوجوه التعبيريّة حسب حركة وجوههم، والتي تم بعدها نسخها من شركات كشاومي، في حين قامت سامسونج بابتكار “AR emojies” والتي تسمح لك بصناعة الشخصية الخاصة بك وشراء الأزياء لها -بنقود حقيقية-.
الوجوه التعبيرية كظاهرة اجتماعيّة مهمّة.. مشاكل وأحداث مفصليّة
أبرز الانتقادات التي تتعرّض لها الوجوه التعبيرية بشكل عام هيَ افتقار تمثيلها وتعبيرها عن فئات معيّنة من المجتمع أو دول العالم. فعلى سبيل المثال اشتكى الكثير من مواطني بلاد الغرب (بالأخصّ الولايات المتحدة الأمريكيّة) بالعدد الكبير من الوجوه التعبيرية الذي يمثّل ثقافة البلدان والحضارات الآسيويّة بالمقارنة لبلدانهم.
بالإضافة إلى وجود رموز تعبيريّة تمثّل مختلف المِهَن (طبيب، مدرّس، إلخ..) ولكن جميعها كانت ذكورًا وتفتقر إلى رموز تمثّل الإناث في هذه المهن، بالإضافة إلى ألوان البشرة المختلفة إذ كانَت تحتوي الوجوه التعبيرية على لون واحد فقط.
ولكن سرعان ما تمّ إضافة خمسة ألوان من البشرة للرموز التعبيرية في عام 2015، تبعها وجه تعبيري لفتاة ترتدي الحجاب في عام 2016 بالإضافة إلى مختلف الرموز التي تمثّل ذوي القدرات الخاصة وغيرها من الرموز التي شملَت المزيد من فئات المجتمع.
كما قامت السلطات في بعض البلدان باعتبار الرموز التعبيرية مثل المسدّس بمثابة تهديد للقتل عندَ إرسالها في بعض الأحيان. ممّا اضطّر شركة آبل لتغييره إلى مسدّس مائي، وسرعان ما تبعتها الشركات الأخرى.