على مدى أجيال طويلة، كان الناس يراقبون القمر بحثًا عن علامات على حدوث تغيرات في الطقس ويعتقدون أن “القمر الشاحب يعني أن السماء ستمطر، والقمر الأحمر يعني هبوب عواصف، والقمر الأبيض يعني أنه لن تكون هناك أمطار أو ثلوج”. وبالفعل، ثبت أن القمر يؤثر على مناخ الأرض وأنماط الطقس بعدة طرق دقيقة.
ومع ذلك، فإن الأنشطة التي تحدث على سطح القمر وتأثيرها على الأرض غير مفهومة تمامًا. ويكمن التحدي الآن في التمييز بين ما هو أسطورة وخرافات وبين التأثير الحقيقي للقمر على كوكب الأرض.
ويمكن رؤية التأثير الأكثر وضوحًا للقمر على الأرض في المد والجزر في المحيطات. فبينما تدور الأرض حول نفسها كل يوم، فإن جاذبية القمر تسحب الماء الموجود على أقرب جانب من الأرض نحو القمر، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع المياه.
وترتفع مياه البحر على الجانب الآخر أيضًا بسبب قوة الطرد المركزي الناتجة عن دوران الأرض. وتدور الأرض تحت هذه الانتفاخات المائية، وهو ما يؤدي إلى ارتفاع المد والجزر مرتين بالشكل الذي نراه كل يوم.
وكل 18.6 سنة “يتذبذب” مدار القمر بين حد أقصى وحد أدنى بمقدار زائد أو ناقص خمس درجات بالنسبة إلى خط استواء الأرض. وتسمى هذه الدورة، التي جرى توثيقها لأول مرة في عام 1728، الدورة العقدية القمرية.
وعندما يميل المستوى القمري بعيدًا عن المستوى الاستوائي، يصبح المد والجزر على الأرض أصغر. وعندما يكون مدار القمر أكثر تماشيًا مع خط استواء الأرض، فإن المد والجزر يصبحا أكبر.
وتقول وكالة الفضاء الأمريكية (ناسا) إن ارتفاع منسوب مياه البحر بسبب تغير المناخ، جنبًا إلى جنب مع تأثير الدورة العقدية القمرية، سيؤدي إلى زيادة كبيرة في عدد فيضانات المد المرتفع خلال العقد الثالث من القرن الحالي.
أظهرت دراسة جديدة لوكالة ناسا أن التذبذب في دورة مدار القمر قد يتسبب في حدوث فيضانات مدمرة في الولايات المتحدة في العقد المقبل.
وبحسب صحيفة “ديلي ميل” البريطانية، سيشهد كل ساحل أمريكي زيادة سريعة في فيضانات المد والجزر المرتفعة؛ إذ إن ارتفاع مستويات سطح البحر الناجم عن الاحتباس الحراري سيزداد سوءًا بسبب التغيير في سحب القمر للمد والجزر.
فيضانات في مدن أمريكية
وستلحق فيضانات المد المرتفع الفوضى بالمدن الساحلية الأمريكية، وبدءًا من منتصف الثلاثينيات من القرن الحالي، بما في ذلك بوسطن ولا جولا في كاليفورنيا؛ سانت بطرسبرج فلوريدا؛ وحتى هونولولو، حيث تصطف الأسباب الفلكية والمحيطية للفيضانات.
وتأتي هذه الفيضانات – المعروفة أيضًا باسم الفيضانات المزعجة أو فيضانات النهار المشمس – نتيجة عن ارتفاع المد والجزر.. وليس بسبب العواصف والأعاصير الكبيرة، وهي تزداد سوءًا بسبب ارتفاع مستوى سطح البحر، الذي يتسبب في ذوبان الأنهار الجليدية والصفائح الجليدية بسبب تغير المناخ.
وستزداد المشكلة سوءًا في منتصف عام 2030 لأن التذبذب المنتظم في دورة مدار القمر سيؤثر على جاذبيته في المحيطات، ففي نصف دورة القمر التي تبلغ 18.6 عام، يتم قمع المد والجزر: المد والجزر المرتفع أقل، بينما المد والجزر المنخفضة أعلى من المعتاد. في النصف الآخر، يرتفع المد والجزر وينخفض المد والجزر.
ويتسبب توافق دورة القمر وارتفاع مستوى سطح البحر العالمي، في ارتفاع منسوب المد والجزر حيث قال الفريق العلمي لتغيير مستوى سطح البحر، التابع لناسا، إن التأثيرات المجمعة ستؤدي إلى “قفزة في أعداد الفيضانات على جميع سواحل البر الرئيسي للولايات المتحدة تقريبًا، هاواي وجوام”.
وقال الباحث في جامعة هاواي فيل طومسون إن “التراكم بمرور الوقت سيكون له تأثير ملحوظ ” مضيفا بأنه “لن يستمر أي عمل في حالة فيضان المياه 10 أ 15 مرة شهريا إذ سيفقد الناس وظائفهم لأنهم لا يستطيعون الوصول إلى أماكن العمل وستصبح آبار الصرف الصحي مشكلة صحية عامة ”