اكتُشفت أدلة تشير إلى تأثير جاذبية الشمس والقمر بشدة في الجوانب السلوكية للحيوانات والنباتات، على الرغم من أن الآليات الدقيقة التي يحدث بها هذا التأثير لا تزال غير واضحة.
جاء ذلك في دراسة جديدة نشرتها دورية “ذا جورنال أوف إكسبيرمنتال بوتاني” (The Journal of Experimental Botany)، عن تأثير جاذبية الشمس والقمر في الكائنات على كوكبنا، أجراها باحثون من جامعتي “كامبيناس” (University of Campinas) (UNICAMP) بالبرازيل وبريستول (University of Bristol) في المملكة المتحدة.
ويرى الباحثون في هذه الدراسة أن المدّ والجزر الجذبي للشمس والقمر يمكن أن يغير الطريقة التي تنام بها الحيوانات والنباتات وتتحرك وتنمو، حتى عند أخذ العوامل الأخرى (مثل دورات الليل والنهار) في الاعتبار.
وحسب ما جاء في تقرير لموقع “ساينس ألرت” (Science Alert)، فإن الدراسة الجديدة تظهر أنه في حين أن المد والجزر الجذبي للشمس والقمر قد يكون ضعيفا نسبيا، فهو نحو جزء من المليون من جاذبية الأرض عند الجمع بينهما، إلا أن هذا المد والجزر لا يزال مهما عند تقييم سلوك الكائنات الحية.
يقول عالم الفيزياء الحيوية كريستيانو دي ميلو جاليب، من جامعة كامبيناس في البرازيل، في بيان رسمي لمؤسسة دعم البحوث بولاية ساو باولو ، إن كل المواد الموجودة على الأرض، سواء الحية أو الخاملة، تتعرض لتأثيرات قوى جاذبية الشمس والقمر المعبر عنها في شكل مد وجزر.
وتقوم التذبذبات الدورية بدورتين يوميا، ويتم تعديلهما شهريا وسنويا نتيجة لتحركات هذين الجرمين السماويين، وجميع الكائنات الحية على الكوكب قد تطورت في هذا السياق.
مراجعة وتحليل شمولي للبيانات
للوصول إلى تلك النتائج قام الباحثون بمراجعة شاملة للدراسات السابقة باستخدام طريقة التحليل الشمولي (Meta-analysis)، وهو تحليل يتضمن تطبيق الطرق الإحصائيّة على نتائج مجموعة دراسات قد تكون متوافقة أو متضادة، وذلك من أجل تعيين توجه أو ميل تلك النتائج أو لإيجاد علاقة مشتركة ممكنة.
وقد طبّقت تلك الطريقة على البيانات المأخوذة من 3 دراسات منشورة سابقا، لم يتم فيها استكشاف سبب الجاذبية، على الرغم من وجود معلومات عن المد الجذبي فيها.
جاذبية
وكانت الدراسة الأولى أجريت عام 1965، وهي دراسة على متماثلات الأرجل، ومتماثلات الأرجل هي نوع من القشريات الصغيرة العديمة الصدفة، يراوح حجمها بين 300 ميكرون إلى 50 سم، ويعود ظهورها على الأرض إلى ما لا يقل عن 300 مليون سنة مضت.
وقد لوحظ في هذا النوع من القشريات أن أنماط السباحة لدى هذه المخلوقات تتبع تدفق المد الجذبي للمحيط، في دورات مدتها نحو 12.4 ساعة، حتى عند نقلها إلى الماء في المختبر مع المد والجزر الاصطناعي.
أما الدراسة الثانية فهي تتناول حالة جهد التكاثر في المرجان، أجريت عام 1985 وشملت الشعاب المرجانية، حيث ظهر أن نمو المرجان وإنتاج اليرقات يتطابقان مع المد الجذبي المحلي تحت تأثير الشمس والقمر.
وتناولت الدراسة الثالثة تعديل النمو في شتلات عباد الشمس الذي يُستدل عليه من التلألؤ الذاتي، وهي دراسة أجريت عام 2014 تبحث في إنبات البذور في عباد الشمس، مدعومة بتجارب جديدة أجراها الباحثون مرة أخرى، ووجدوا دليلا على أن إنبات بذور عباد الشمس يتماشى مع أنماط الجاذبية القمرية والشمسية.
الأنماط الإيقاعية
وفي الدراسة الجديدة، قام الباحثون بدراسة الأنماط الإيقاعية التي تظهرها الكائنات الحية والمعروفة جيدا، وتشمل إيقاعات الساعة البيولوجية المرتبطة بدورات النهار والليل، أو دورات الضوء والظلام، فقام الباحثون بإجراء تجربة لرصد تأثير هذه الأنماط الإيقاعية المتمثلة بتلك العوامل البيئية على سلوك الأنواع الحيوانية والنباتية. وفي هذه التجربة عُزل عامل الضوء عن الدورات الإيقاعية، لفحص تأثيرات العوامل البيئية الأخرى وإثباتها.
كما نظر الباحثون في دراستهم في المختبر في تأثير دورة المد والجزر في الأنماط السلوكية عندما تهاجر الكائنات الساحلية مثل القشريات من موطنها الطبيعي.
نتائج التجارب المخبرية
وقد أظهرت نتائج التحليلات في الدراسة الجديدة أنه في حالة عدم وجود التأثيرات الطبيعية المسماة بالتأثيرات الإيقاعية، مثل الإضاءة أو درجة الحرارة، فإن المد والجزر والجاذبية المحلية عوامل كافية لتنظيم السلوك الدوري لهذه الكائنات، فقد وجد الباحثون تناقضات عند عزل هذه الحالات الثلاث في ظروف محكومة، ومن ثمّ ظهرت آثارها على الأنماط السلوكية لكل من الحيوانات والنباتات.
وحسب تقرير ساينس ألرت، فإن التجربة المخبرية على هذه الأنواع الحيوانية والنباتية، التي استخدم فيها المد والجزر الصناعي، قد بيّنت أن هذه الحيوانات تعدّل سلوكها في تناغم مع المد والجزر.
يقول كريستيانو دي ميلو “لقد استمر هذا النمط من السلوك بضعة أيام، متطابقا مع توقيت المد والجزر القمري في الموقع حيث جُمعت الكائنات الحية في الطبيعة”. ويضيف “اكتشفنا هذه الظاهرة في وقت لاحق، من خلال الاختبارات التي أجريناها على أنواع مختلفة من البذور، وكذلك النتائج المضافة التي حصلنا عليها في المختبر”.
واختتم دي ميلو تصريحه قائلا “إن دورات الجاذبية لا تؤثر فقط في أبسط الكائنات الحية، بل إن البشر الذين يبقون في الظلام يمرون بتقلب دوري يستمر من 24.4 إلى 24.8 ساعة، بما يتوافق مع الدورة القمرية، وقد لوحظ هذا أيضا لدى الأشخاص الذين يقضون أوقاتا طويلة في الكهوف، إذ إنه يضبط تناوب النوم واليقظة، وأوقات الوجبات، ووظائف التمثيل الغذائي الأخرى”.