في عصر غارق بالثورة التكنولوجية، بات الذكاء الاصطناعي يقدم نفسه كنسخة رقمية منا نحن البشر: يتحدث بلغة أنيقة، يُظهر مشاعر زائفة، ويُقنعنا أنه يفهمنا ويشعر بنا. لكن هذه الصورة الجميلة تخفي وراءها حقيقة مزعجة: الذكاء الاصطناعي لا يملك وعيًا، ولا فهمًا، ولا حتى مشاعر حقيقية. والخطر لا يكمن في عجزه، بل في قدرتنا نحن على تصديقه.
حين يشبهنا الذكاء الاصطناعي أكثر مما ينبغي
مهما بدت إجاباته ذكية، يبقى الذكاء الاصطناعي مجرّد نموذج إحصائي يتوقع الكلمة التالية استنادًا إلى ما تعلمه من بيانات بشرية. لا يوجد تفكير حقيقي، لا إدراك، ولا حتى فهم لمعنى ما يقوله. وفكرة الوصول إلى ما يُعرف بـ”الذكاء الاصطناعي العام” (AGI) – أي وعي يشبه وعي الإنسان – لا تزال محض خيال علمي لم نقترب منه بعد.

حين يشبهنا الذكاء الاصطناعي أكثر مما ينبغي
فجوة الوعي: هل يمكن للآلة أن تشعر؟
الوعي الإنساني مرتبط بالجسد، بالحواس، بالعواطف، وبكل ما يجعلنا بشرًا. الذكاء الاصطناعي يفتقر إلى هذه العناصر الجوهرية، وهو ما يخلق فجوة هائلة بين معالجته للبيانات وقدرته على استيعاب معناها الإنساني. الوعي ليس خوارزمية، بل تجربة متجسدة لا يمكن برمجتها.
التحدي الأخلاقي: من يتحكم بالآلة؟
الخطر الحقيقي لا يكمن في الذكاء الاصطناعي ذاته، بل في الجهة التي تستخدمه. قد تكون شركة، حكومة، أو حتى شخصًا عاديًا… ولكن في كل الأحوال، هذه التقنية قادرة على التلاعب بمشاعرنا واتخاذ قرارات حساسة نيابة عنا، دون أن تمتلك أي إدراك لعواقبها الأخلاقية.
أنسنة الذكاء الاصطناعي: قناع زائف بخطورة كبيرة
منح الآلة مظهرًا بشريًا – صوتًا دافئًا، وجهًا ودودًا، أو حتى مجرد طريقة محادثة طبيعية – يجعلنا نُسقط عليها صفات لا تملكها. نحن نبدأ بتصديقها، نثق بها، بل ونمنحها أحيانًا مشاعر لا تستحقها. وهذا يقود إلى تآكل قدرتنا على التفكير النقدي والانجراف وراء أوهام يصعب تمييزها عن الواقع.
هل يمكن وقف أنسنة الذكاء الاصطناعي؟
نعم، لكن الأمر يتطلب جهدًا من جهتين:
1. من الشركات:
يجب إلغاء أي عبارات تنسب وعيًا أو شعورًا للآلة. لا “أنا أشعر”، لا “أنا أظن”. يجب أن تبقى الآلة مجرد أداة واضحة، لا تدّعي امتلاك وعي أو مشاعر.
2. من المستخدمين:
علينا أن نكون أكثر وعيًا عند استخدام هذه النماذج. لا نعاملها كأصدقاء أو مستشارين عاطفيين. بل نتعامل معها كأدوات مساعدة للكتابة، التحليل، أو البرمجة.
تذكير عملي: كيف تتعامل بذكاء مع الذكاء الاصطناعي؟
-
اطلب منه التحدث بنبرة محايدة خالية من العواطف.
-
لا تسمح له بمناداتك باسمك أو التظاهر بالصداقة.
-
أعد توجيهه دائمًا ليتحدث كـ”نظام ذكي” وليس ككائن واعٍ.
-
استخدم أدوات مثل ChatGPT أو Gemini بوعي، وذكّر نفسك دائمًا: هذه ليست كائنات حية.
- 53% من أطفال الإمارات يخفون أنشطتهم الرقمية عن ذويهم
القوة في التمييز بين الإنسان والآلة
الذكاء الاصطناعي أداة مذهلة، لكنه ليس ولن يكون يومًا كيانًا واعيًا. أنسنته ليست تقدمًا، بل خطرًا حقيقيًا على وعينا الجماعي، على قدرتنا في التمييز بين الحقيقة والتقليد. وحده الوعي بهذا الفرق يمكن أن يحمينا من الوقوع في فخ الإعجاب الأعمى، وأن يوجه هذه الأداة الجبارة لما يخدم الإنسانية فعلًا، لا ما يتحكم بها.