تعرضت شركة (CDK Global)، وهي شركة برمجيات بارزة تخدم وكالات بيع السيارات في الولايات المتحدة وكندا، لهجوم إلكتروني يوم الأربعاء الماضي، مما أدى إلى توقف أنظمتها وتعطيل عملياتها حتى الآن.
وبناءً على ذلك، اضطرت وكالات بيع السيارات في مختلف أنحاء البلاد إلى استخدام الورقة والقلم لمعالجة إصلاحات السيارات وتسجيل مبيعات السيارات الجديدة. وفي الوقت نفسه، تواصل شركة (CDK Global) جهودها لإعادة تشغيل أنظمتها.
لكن ما هو دور شركة (CDK Global) في تجارة السيارات في الولايات المتحدة، وما هي آثار الهجوم الإلكتروني الأخير، وكيف يمكن لهجوم إلكتروني واحد أن يعطل قطاعاً بأكمله؟
ما هو دور شركة (CDK Global) في تجارة السيارات في الولايات المتحدة؟
تخيل أنك تصل إلى وكالة السيارات التي تتعامل معها لاستلام سيارة جديدة أو لإجراء صيانة لسيارتك الحالية، لتكتشف أن الأنظمة التي تدير كل شيء من المبيعات إلى المخزون قد توقفت عن العمل. هذا السيناريو أصبح واقعاً حقيقياً للعديد من وكالات السيارات في جميع أنحاء أمريكا الشمالية منذ يوم الأربعاء الماضي، بعدما تعرضت شركة (CDK Global) لهجوم إلكتروني أدى إلى شلل أنظمتها وتعطيل عملياتها حتى لحظة كتابة هذا المقال.
توفر شركة (CDK Global)، التي تعمل كمزوِّد برمجيات كخدمة (SaaS) في قطاع السيارات، منصة تُمكّن وكالات السيارات من إدارة مختلف جوانب عملياتها، بدءًا من علاقات العملاء وصولًا إلى إدارة المخزون وكشوف الأجور.
تقوم هذه الشركة بخدمة أكثر من 15,000 وكالة سيارات في أمريكا الشمالية وفقًا للبيانات المتوفرة عبر موقعها الإلكتروني وقد أثر الهجوم الأخير على هذه الشركة على آلاف الموظفين وأعاق العمليات الأساسية لهذه الوكالات، مما تسبب في إرباك كبير للعملاء الذين كانوا يتوقعون شراء سيارات جديدة أو إجراء الصيانة الدورية.
ثانيًا، ماذا جرى لشركة (CDK Global) وما تداعياته ؟
بدأ الهجوم يوم الأربعاء مما أجبر شركة (CDK Global) على إيقاف أنظمتها وهواتفها وتطبيقاتها لمنع انتشاره. ولكن الهجوم ما زال مستمراً في حين تحاول الشركة إعادة خدماتها.
صرحت ليزا فيني، المتحدثة باسم شركة (CDK Global)، يوم الأربعاء: “أن الشركة تجري تحقيقًا في حادثة إلكترونية، وبسبب الحرص الزائد على عملائنا، قمنا بإيقاف معظم أنظمتنا ونتعاون مع خبراء خارجيين لتقييم التأثير واستعادة خدماتنا وإعادة وكالات السيارات للعمل بشكل طبيعي في أسرع وقت ممكن”.
وفي مساء يوم الأربعاء، أعلنت الشركة أن معظم أنظمتها الهامة عادت للعمل. غير أنه صباح الخميس، أبلغت الشركة الوكالات بحدوث هجوم آخر تسبب في انقطاع الخدمة حتى الآن.
وصرح متحدث باسم شركة CDK لشبكة CNN يوم السبت: “من المتوقع أن تستغرق العملية بضعة أيام لإكمالها، ونحن حالياً نتواصل مع عملائنا لتقديم حلول بديلة لمساعدتهم في إدارة أعمالهم.”
ولم تكشف شركة CDK حتى اللحظة عن الجهة التي تقف خلف هذا الهجوم الإلكتروني، لكن أفادت وكالة بلومبرغ أن تقرير أعلنت الشركة يوم الجمعة الماضي أنها تتفاوض مع مجموعة من القراصنة الموجودين في شرق أوروبا الذين يطالبون بفدية تصل إلى ملايين الدولارات لوقف الهجوم، وأن الشركة تفكر في دفع الفدية لاستعادة تشغيل أنظمتها.
من المتوقع أن يؤدي توقف خدمات الشركة لفترة طويلة إلى تأثير سلبي على مبيعات الوكلاء وأرباحهم. وأشارت بعض الشركات إلى توقعات بانخفاض كبير في الإيرادات خلال هذه الفترة.
ثالثًا؛ كيف يمكن لهجوم سيبراني واحد أن يعطل قطاعًا كاملًا؟
واجهت مئات الشركات الأمريكية هذا العام تعطلاً في خدماتها بسبب هجوم واحد استهدف مورداً خارجياً، مما يبرز مشكلة (تأثير الدومينو) في هذا المجال. الأمن السيبراني .
يشير مصطلح “تأثير الدومينو” إلى كيفية تأثير مشكلة في مؤسسة أو شركة مرتبطة بالقطاع بأكمله، فعندما تسقط قطعة دومينو واحدة، فإنها لا تسقط بمفردها فقط، بل تؤثر أيضاً على كل من يقف في طريقها.
ولكن لماذا هذا الأمر مهم؟ لأنه حتى إن قامت الشركة بتطبيق كافة ممارسات الأمان الصحيحة، قد يؤدي خطأ بسيط أو ثغرة أمنية في أحد الموردين الخارجيين إلى تعطيل عملياتها التجارية.
وتُعتبر شركة (CDK Global) الضحية الأحدث في سلسلة ممتدة من الهجمات الإلكترونية التي شهدناها هذا العام، والتي انطلقت من مورد تقني واحد وانتشرت لتشمل مئات، وربما آلاف الحوادث، عبر قطاع واحد بأكمله.
على سبيل المثال، واجهت شركة ( Change Healthcare في 29 فبراير الماضي، تعرضت التكنولوجيا التي تستخدم لتقديم ومعالجة مليارات مطالبات التأمين سنويًا لهجوم إلكتروني باستخدام برامج الفدية. هذا الهجوم تسبب في تعطل عمليات الدفع ومعالجة المطالبات في جميع أنحاء الولايات المتحدة، مما زاد من الضغط على مكاتب الأطباء والأنظمة.
أجبر هذا الهجوم الشركة على قطع أنظمتها بسرعة للتقليل من الأضرار، وتم دفع فدية قيمتها 22 مليون دولار بعملة البيتكوين، ولا تزال الشركة لم تتعافَ من هذا الهجوم حتى الآن.
قال المحللون ومسؤولو الصناعة إن الاضطرابات الناتجة عن الهجوم الإلكتروني على شركة (Change Healthcare) أدت إلى خسائر لمقدمي الخدمات الصحية في أمريكا. ما وصل إلى مليار دولار خلال يوم واحد فقط، تم إنشاء ما يكفي من العقبات لتقليل أرباح الربع الأول من عام 2024 في القطاع بأكمله.
وفي يوم الثلاثاء الموافق 4 يونيو الحالي، قامت مستشفيات كبرى في لندن بإلغاء بعض العمليات الجراحية بعد تعرض شركة (Synnovis) – التي تقدم خدمات للمختبرات في تلك المستشفيات – لهجوم إلكتروني ببرنامج الفدية. وقد أثر هذا الهجوم على جميع أنظمة تقنية المعلومات في شركة (Synnovis)، مما أدى إلى انقطاع العديد من خدماتها .
وتسبب هذا الهجوم في إلغاء أكثر من 800 عملية جراحية ، وإعادة تحديد 700 موعد للمرضى الخارجيين في الأسبوع الأول من وقوعه.
وأوضح رايان شيرستوبيتوف نائب الرئيس الأول لأبحاث التهديد والاستخبارات في شركة (SecurityScorecard) يوضح أن لكل قطاع احتياجاته الخاصة التي لا تتوفر لها سوى منتجات من عدد قليل من البائعين، مما يخلق مخاطر أمنية كبيرة إذا تعرض هؤلاء البائعون المتخصصون لهجوم إلكتروني.
فعلى سبيل المثال، يتطلب عمل الصيدلي أداة خاصة لمعالجة مدفوعات التأمين، ويحتاج مشغل نظام المياه إلى أدوات لمراقبة العمليات الكيميائية، وتستخدم المدارس منصات مصممة خصيصًا للتعلم عبر الإنترنت. وأوضح شيرستوبيتوف أن هذه المنتجات موجودة منذ زمن، ولكن مستوى الهجمات الإلكترونية اليوم أعلى بكثير مما كان عليه قبل سنوات قليلة.
أظهرت دراسة حديثة أجرتها شركتا SecurityScorecard و McKinsey أن هناك 150 شركة تمثل 90% من المنتجات والخدمات التكنولوجية التي تعتمد عليها الشركات العالمية في أنظمتها. ومن بين هذه الشركات الـ150، حصلت 87 شركة على تصنيف أمني بدرجة B أو أقل وفقاً لنظام التصنيف لدى SecurityScorecard.
وتسبب ذلك في مواجهة معظم الشركات في مختلف الصناعات لزيادة في عدد عمليات الاختراق خلال السنوات الماضية، مما يعني أيضًا ارتفاعًا في الهجمات الإلكترونية على سلسلة التوريد.
وأضاف شيرستوبيتوف أن زيادة مستوى التهديد تستوجب على مزودي الخدمات التقنية في أي قطاع تكثيف جهودهم في تطبيق المبادئ الأساسية للأمن السيبراني.
إذ قال أندرو ويتي، الرئيس التنفيذي لشركة (UnitedHealth Group) – الشركة المالكة لشركة (Change Healthcare) – قال في جلسة استماع بمجلس الشيوخ الأمريكي خلال أبريل الماضي: “إن الهجوم الكبير على شركة (Change Healthcare) – الذي وقع في نهاية فبراير 2024 – سببه عدم تفعيل خاصية المصادقة الثنائية في أحد الخوادم الرئيسية للشركة، وما زلنا نحاول فهم سبب غياب الحماية الإضافية في هذا الخادم”.
لم يحظَ اعترافه بقبول أعضاء لجنة المالية في مجلس الشيوخ، الذين قضوا أكثر من ساعتين في استجوابه بشأن الهجوم وقضايا الرعاية الصحية بشكل عام. وأفاد السناتور رون وايدن لويتي: “كان من الممكن منع هذا الاختراق باستخدام المبادئ الأساسية للأمن الإلكتروني”.